بحي منطقة الناصرية بالسيدة زينب، وسط الأشجار القديمة والمنازل الأثرية، مازال كما هو بكل تفاصيله القديمة، متزيناً بالأكفان البيضاء، وتفوح من داخله رائحة المسك، وصوت الشيخ محمد رفعت الذي لا ينقطع من المكان الذي لم يطرأ على جدرانه أي تجديد منذ عام 1940 ميلادياَ، محتفظاً بذاته التاريخي ورونقه إلى الآن.
«حانوتي الجباروني» أقدم وأشهر حانوتِ في مصر الحديثة، إذ كان الجد الأكبر لعائلة الجباروني هو المسؤول عن غُسل وتكفين موتى القصور الملكية في عهد الملك فؤاد والملك فاروق، ثم توارثت العائلة المهنة إلى أن امتهنها ابنه الأصغر "الحاج حسني الجباروني" الذي قام بغُسل جثمان ألعديد من المشاهير.
وأجرت «بوابة أخبار اليوم» حوارًا مع الحاج حسني الجباروني أقدم حانوتي في مصر، وإلى نص الحوار:
مهنة لن تموت:
هل من الممكن أن تندثر مهنة الحانوتي؟
من الصعب أن تنتهي أو تختفي مهنة الحانوتي لآخر الزمان، لأنها تختلف عن كل المجالات والمهن الأخرى، فـ "الغُسل وتكفين الموتى" لا يستخدم فيهما الماكينات الكهربائية أو الوسائل التكنولوجية، هما عبارة عن "ليفة و مياه طاهرة"، وقد أرشدنا رسول الله إلى الطرق الصحيحة لهما حسب الشرع.
ما مدى المسؤلية التي تقع على عاتق الحانوتي؟
أهم مسؤولية للحانوتي هو أن يقوم بعمل الغسل "شرعي"، وأن يحافظ على أصول الغُسل والكفن كما أمرنا الله ورسوله، مشدداً على أن من يهمل في "الغسل" سيحاسب محاسبة شديدة من الله عز وجل لأنها أمانة هامة وليست بهينة كما يصورها البعض.
هل تحب مهنة الحانوتي؟
نعم أحبها، وأقدرها جدا، ف بها أرضي الله، وأحافظ على إسم عائلتي ومهنتها الأم، وفخورا كل الفخر كوني ورثت تلك المهنة عن أجدادي و والدي.
وأردف: «كفاية الدعوات اللي الناس بتدعيهالنا بعد كل عملية غسل، والأهم رضا ربنا».
الجباروني يُغسل المشاهير:
من المشاهير الذي قمت بغسله وتكفينه؟
قمت بإعادة غُسل الفنان الراحل العندليب عبد الحليم حافظ، بعد أن وصل جثمانه من "لندن"، وذلك جاء بناء على طلب عائلته حتى يتأكدوا من أن الغسل "شرعياً" وكانوا لا يثقون بالغسل الذي خضع له جثمان العندليب في تلك الدولة الأوروبية.
وقمت أيضاً بغسل جثمان الفنان سعيد صالح، وأشرفت على غسل والدة كاظم الساهر، مؤكداً أنها أوصت قبل وفاتها أن نقوم نحن بغُسل جثمانها حال وفاتها في مصر، وبالفعل حدث هذا، وقمت بالإشراف على غُسل جثمانها، وأرسلت لها السيدة المختصة لدينا بغُسل النساء.
موقف نادر:
هل سبق وقمت بغسل متوفي وفوجئت إنه لازال على قيد الحياة وليس بميت؟
نعم حدثت، كنت اقوم بغُسل والد أحد الجيران بمنطقة السيدة زينب، وأثناء الغُسل لاحظت أن للمتوفي نبض بسيط، ولكنني قلت في نفسي "دي تهيئات"، وفجأة أثناء الغسل تحرك المتوفي وحاول أن يحرك جسمه ولكنه لم يستطع، وبعد أن جائوا بالطبيب تبين أنه كان في غيبوبة سكر ولم يتوفى.
ما الذي أكد لأهل المتوفي بأنه متوفي؟
في العادات القديمة كانوا الناس لا يهتمون بالكشف الطبي على المتوفي وخاصة لو كان من ذو الأعمار المتقدمة، وذلك يرجع لعدم الخبرة وقلة التعليم في ذلك الوقت، موضحاً أن الحانوتي الآن لا يقوم بغسل متوفي إلا بعد تأكيد طبيب الصحة الذي يقوم بالكشف على المتوفي ليؤكد خبر وفاته.
الفرق بين حانوتي 1950 و حانوتي 2024 :
هل اختلفت مهنة الحانوتي الآن عما قبل؟
طرق الغسل والكفن لن تختلف تماما، ولكن هناك بعض المهام التي كان يقوم بها الحانوتي أصبح لا يقوم بها الآن، مشيراً إلى أن الحانوتي كان هو من يقوم بعمل إعلام الوراثة لأهل المتوفي، وكان يقوم بإستخراج وتسليم شهادات الوفاة، وكان هو الأرشيف الحكومي الوحيد للدولة في حال البحث عن شهادات وفاة بالدفاتر لديه.
ولكن الآن بعد التقدم الذي شهده العالم، أصبحت مهمة الحانوتي هي "الغسل والكفن" فقط، اما عملية استخراج الأوراق كـ "اعلام وراثة - شهادة وفاة - أوراق المعاش" أصبحت من مهام الأمكان الحكومية التي خصصتها الدولة لتسهيل تلك الأمور على أهالي الموتى.
